طيران
كانت أياماً رتيبة حملت معها هموماً ثقيلة وأحلاماً لها طعم التعب. كان ألمها عميقاً ولياليها طويلة. وبين الفترة والأخرى، كانت تستعيد الحلم ذاته.. الحلم الذي لا يتغير.
"أشعر بالنعاس. أريد أن اغفو دون تفكير." أغمضت عينيها لتنام، وتركت جسدها المنهك يستريح على البساط العتيق. لكن الصورة ذاتها عادت من جديد: جناحان قويان يلبسان الجسد الأنثويّ المتعب. يتحوّل الجسد إلى طائر يعلو الأفق. يطير الجسد بجناحيه صوب الغيوم، عبر المسافات في عمق الظلام. المسافات طويلة والجسد يعلو بعيداً. ثمة قوة ما تدفع الجسد إلى أعلى. طيران مستمر وأنين الجسد يتحطم أمام قوة الجناحين وإصرارهما على التحليق.
مرّت أيام طويلة آثر الجسد بعدها أن يحطّ على الأرض قليلاً. هبط بالقرب من بركة ماء تعلوها أشنات خضراء.
"هل سيشاركنا الجسد المجنّح أرجوحتنا؟"
"لا مكان له بيننا، نحن صغار الطيور."
وبعيون مترقّبة، بدأت الطيور تبتعد عن المكان، تاركةً الجسد في شبه غيبوبة. بدأ الجسد يتحرك ببطء مع ساعات الصباح الأولى. فتح عينيه وشعور بالتعب يصاحبه.
منذ عام 1978 وأنا اطير في نومي. وفي لحظات الطيران هذه، أرى الأحداث بكل تفاصيلها. قبل أيام، أثناء طيراني، أحسست أن روحاً تطير إلى جانبي، ترفرف وتسبغ راحتها عليّ. شعرت بهيام غريب ينتابني. تلمّستُ جسدي: أين الجناحان؟ لم أشعر سوى بوخزات على الجنْبَين.