أديب كمال الدين
وحشة الرأس
(1)
في عليائي
سمعتُ صوتَ الأيامِ: أرامل من سَواد.
في شحوبي
سمعتُ صوتَ الحرسِ وهم يتناهبون
صباي وشبابي وبياض لحيتي.
فارتبكتُ: أإلى هذا الحدّ كانَ النحاس
رخيصاً أمامَ الذهب؟
(2)
في عليائي وشحوبي
عيناي ثقيلتان فلا تبصران
فصرتُ أرى بأذني
وأبصرُ بقلبي.
كانت الوحدةُ مطلقةً،
كانت الوحدةُ تشبهني تماماً
أنا الأعزل الذي طُعِنَ حتّى أربكه
منظرُ الدمِ غزيراً كشلّال،
منظرُ الدمِ جامداً هادئاً كترنيمةِ طفل.
(3)
في عليائي وشحوبي
أنْقَلُ من حربٍ إلى حرب
ومن صحراء إلى صحراء
ومن سفينةٍ إلى سفينة
ومن ارتباكٍ إلى ارتباك
ومن نحاسٍ إلى نحاس.
لكنّ الذهب يترصّدني
أصدقائي – قبل أعدائي – ينحنون أمامَ بريقِ الذهب
فيسلمونني خلسةً إلى يهوذا.
ويهوذا قبلَ أنْ يفيقَ الجميع
من نومِهم القلق،
من جشعِهم المرّ
يقودني إلى منفاي وَسَقَري،
يقودني إلى رمحي الطويل.
)4)
ياه..
يا لرمحي الطويل
كلّهم يحملون رماحَ النحاس
ورمحي أطولهم!
ياه..
يا لبرودة جبيني
وطمأنينة حلمي
يا لجمال طيوري
تلاحقني من عينٍ إلى عين
ومن حاءٍ إلى حاء.
ياه..
كلّهم يرون فلا يفقهون،
كلهم يتعذّبون برماحِ النحاس
وهي تدخلُ في عيونهم التي أعماها البريق.
يا لصيحاتهم،
يا لآهاتهم،
يا لخيباتهم!
(5)
في عليائي،
في وحشتي وشحوبي
ورحيلي العظيم
سمعتُ صوتَ كلّ شيء
وأبصرتُ بالعينِ والأذنِ والقلبِ كلَّ شيء
فسخرتُ من بريق ِالذهبِ والنحاس،
من بريقِ الحرس،
من بريقِ الأيام،
من بريقِ الكلام.