الرئيسية » » عازف الرّبابة | صبري هاشم

عازف الرّبابة | صبري هاشم

Written By Unknown on الخميس، 23 يوليو 2015 | 5:24 ص



عازف الرّبابة
**
لعازفِ الرّبابةِ البدويِّ
حُمْرةٌ مِن شهقةِ المساءِ الأخير
ورشفةٌ مِن صهيلِ النبيذِ الأسير 
تكفي لمَن يذرفُ فوقَ الوجوهِ الباردةِ دَمعةً مِن ذاكرةِ المشتاق
لعازفِ الرّبابةِ لوعةُ الأبْنوس
عروشُ أباطرةٍ ما أجفلتْها الرّمالُ
ومِن مراشفِ صَبِيّةٍ مِن صَباياكم له رَشْفَةٌ
تأتي عاصفةَ الوجْدِ في أحلامِ فتىً لم يطرق بابَ الرجولةِ
قبلَ المنامِ في هودجِ الماء تأتي
وبعد المنامِ في شباكٍ تأسرُ الهواءَ تأتي
أو إلى سطحِ سفينةٍ ذاهبةٍ إلى آخرِ البحارِ تأتي
مِن أجلِ عازفِ الرّبابةِ تمطرُ عينُ الذّاكرة
دمعةً أخرى تستفزُّ مهدَ البدايات
دمعتين لكي يقتربَ مِن إناء اللوزِ الهمجيِّ
لعازفٍ سكنتْه نَفْسٌ يبابٌ تتوسلُ قطرةَ ماءٍ
وعن صلاةِ الإستسقاء لا تكفّ
ستعزفُ إذاً
عن طقوسٍ للصلاةِ
برشفةٍ مِن نبيذِ المساءِ الأرجوانيِّ
ستعزفُ برشفتينِ مِن المراشفِ
مِن خوفي .. آه
على الليلِ العاصفِ انتصرتُ
منذ ألفِ صيحةِ حبٍّ بدويةٍ
ومنذ أولِ رفّةِ جنحٍ للضوء
حضرتُ شروقاً في أقاصي الكلامِ
ومنذ ألفِ ليمونةٍ مشاكسةٍ إعتصرتُها في نَهْرِ نِهديْكِ
عزفتني الرّيحُ ، على سعفِ النخلِ الرّاجفِ كالمذعورِ ، لحناً بحرياً حزيناً
***
أنا عازف الرّبابةِ
نغّمتني الذاكرةُ مطراً خريفياً
هطلَ ذاتَ ليلٍ مُدْلَهمّ فوق جسدِ البلادِ
أدهشني المشهدُ
وضعني أمام نافذةٍ مفتوحةٍ على الخلاء
وكان الخلاءُ مُشرعاً أمام البحرِ
أنا ابن الصحراء
بالمصادفةِ أصحرتُ
وبالمصادفةِ رأيتُ الأشباحَ تعبرُ قارّاتٍ موحشةً
وبالمصادفةِ يلمُّها الغبشُ
ربّما نحوَها تعودُ زرقةُ موجٍ فتُبحِر
و يعودُ همسُ هيامٍ خارجاً لها مِن همهمةِ القافلة
***
هذه رشفةٌ مِن عصيرِ رمّانةٍ هجرتْ أرضَ بابل منذُ ألفِ عام
قيل اختطفتْ نفسَها مِن أجلِ صاحبٍ وخليل
وهذه واحدةٌ أُخرى مِن كرمةٍ نبتتْ قسراً في أرضِ أوروك
أثناء نُزهةِ الإلهةِ عشتار على ضفّةِ الفراتِ
بالقربِ مِن أسرارِ مكنونِها المجنون
في مكانٍ ليس مُباركاً وليس مُقدساً
ربما صار شجرةً مذمومةً سكنَها الطيرُ والعفريتُ والأفعى
***
أنا عازف الرّبابةِ
وغير صوتِكم لا صوت لي
ولا أرتضي باديةً غيرَ بواديكم
أمامي تتلوّى جواري المَلك الصنديد شهوةً
ومِن اللذّةِ يستغرقْنَ في البُكاء
ثمة ندلٌ دُرْنَ في الخفاء
أشرفْنَ على ليلتي وأسكرْنني مِن شهدِ حليبِ الرغبةِ
فلتمطرْ ذاكرتي زرقةَ بحرٍ رَكَبَنا ما رَكَبْناهُ
وصفرةَ صحراء جاءت على آثارِ أقدامٍ
كانت لنا ذاتَ رحيلٍ وغارتْ في الرّمالِ
وأحلامٌ كانت لنا تباعدتْ في الغِياب
أنا عازف الرّبابةِ
احتسي الليلَ مِن كأسي
ومنها أرتشفُ النهار
***
صبري هاشم 
التعليقات
0 التعليقات

0 التعليقات:

إرسال تعليق

يتم التشغيل بواسطة Blogger.