مدينة الكراهية
***
إلى ابني أصيل :
اعلم يا بني أنَّ في صدرِ كلِّ امرئٍ جنيناً عنصرياً يظهرُ إنْ لم يردعْهُ .. يكبرُ إنْ لم يحجّمهُ .. يتهورُ إنْ لم يكبحْهُ .
***
القصيدة
***
خَلَعَتْنا أرضُ طريدون يا ولدي
بنا ضاقتْ أحداقُ المنافي
وبركبِنا طوّحتْ متاهات
وبلادُ السَّوادِ لم تعُدْ حُلُماً
جانبتْ عقلاً وجُنّت
بأبنائها حين عادوا ما احتفت
ولا غامت حين أَبِقوا
تلك بلادٌ غمرَها السَّوادُ
وصارت لشذّاذِ آفاقٍ مراحاً
ومِهبطاً لِمَنْ أَمْلَصَتْهُ قبلَ تمامِهِ الغواني
خَذَلَتْنا يا ولدي أحلامُ الأميرةِ
وأمواجُ الصبايا
وأسرحدّون لم يقبلْ منّا مصاهرةً حتّى
عصفتْ بأمِّ الممالكِ رائحةُ الخيانةِ
كانت شهوةُ الأُنثى سهمَها المسمومَ
دمّرها الغاوون
وقطعوا رأسَ الخائنِ جَزَاءَ الخِيانةِ
تلك بلادٌ لم تجدْ مَنْ يصونُها
فاختلَّ صفاؤها
تلك راعيةُ الغمامِ
أدمنت ناراً في برّيّةٍ
وبين حقولِ الهباءِ تنزّهت
فتَفَخّذَها في غمرةِ اشتياقٍ غزاةٌ
وعليها بكلِّ الشبقِ المجنونِ تناوبوا
حتى استحمّت بقطرةِ الموتِ بلادي
فساقتْها نحو المنيّةِ دهماءُ
تلك بلادي
تلك بلادُنا
فيا هذا الفتى الجميلُ لا تحزنْ
حين تعرف
هذه الأنحاء بماءِ الفراتين يوماً ما تطهّرت
وبأشواقِ الشّموسِ دهراً ما تعمّدت
وعن غلِّها ساعةً ما تجرّدت
وبماءِ زهرِ العفّةِ ما اغتسلت
ولا مِن نَسقِ نبتٍ تطيّبت
وبنطفةٍ هائمةٍ في هواء ما حملت
هذه أرضٌ مِن تحت أقدامٍ واهنةٍ فرائصُ لها
اهتزّت وارتعدت وما علمت
تلك أقدامُ الهائمين في وهمِ المسافةِ
يا ولدي لا تحْزَنْ
هذه برلين
في صدرِها ينتفضُ لبنٌ عنصريٌّ كلَّما مسّتْهُ عيونٌ غريبةٌ
لا تحزنْ يا هذا الفتى الوسيمُ
فحين منّا أرادوا أنْ نغادرَ الكلامَ
اختلّت موازينُ الكلامِ
ونطقتْ في وجوهِهم دهشةُ الصمتِ
أحرقوا حقولَ صبرِنا
فازدهرتْ فينا وردةُ الصبرِ
لا تحزنْ يا ولدي
حين تعلم أنَّ مَنْ لا وطنَ يحتويه
لا تحتضِنهُ المنافي